إن الوفاء بالنذر هو وفاء بوعد، فمن قرر أن ينذر بتوليته فهذا وعد بينه و بين الله، و من نذر شيئاً لقديس معين فى حال تحقيق طلب فهذا وعد بعمل خيرى باسم القديس أو حتى بالمديح حتى يعرف الناس سيرة القديس و يمجدوا الله فى قديسيه.
لذلك فالوفاء بالنذر كالوفاء بالوعد .. فما رأيك فيمن يعدك بشئ ولا يف به؟! ألا يخطئ هذا الانسان فى حقك؟! هنا نحن نتكلم عن مستوى أعلى لأن الوعد كان لله أو لأحد قديسيه. و الخطأ هنا موجه لله أو أحد قديسيه.
و لكن ...
الله لا يتعامل مع البشر بمثلما يعاملونه و إلا لما خلص أحد، و لذلك دائماً نناجى الله فى القداس الالهى قائلين "كرحمتك يا رب و لا كخطايانا". أنا لا يدخل فى بالى مطلقاً أن من ينذر نذراً للقديسة العذراء أم النور الطاهرة مريم و لا يف بنذره أن تتسبب السيدة العذراء بكل حنيتها و طيبتها و رقتها فى أذى له كأن تحدث له أو لأحد أحباءه مصيبة أو كارثة أو حادثة. و إلا فماذا يفرق السيدة العذراء عن أحد الأشرار الذين ينتقمون بالشر بينما يقول الكتاب المقدس "لا تنتقموا لانفسكم ايها الاحباء بل اعطوا مكانا للغضب . لانه مكتوب لي النقمة انا اجازي يقول الرب." (رو 12 : 19). و من هنا يتضح أن النقمة للرب فقط أو بسماح منه.
و هنا نتساءل: هل ينتقم الله أو يسمح للقديس بالنقمة ممن نذر و لم يوف؟! هذا يتوقف على نية من قام بالنذر لأن كثيراً ما ننذر ما هو ليس فى استطاعتنا فى فورة من المشاعر و الأحاسيس، أو بسبب الشعور باليأس فى موقف ما. و هناك من ينذرون نذراً على سبيل عملية النصب حتى يقوم قديس ما بالتشفع من أجلهم أمام الله. و إن كان الله هو فاحص القلوب و الكلى و يعلم الهدف و الغرض و السبب من النذر، إلا إنه قد يسمح بقضاء الغرض لمن ينذر نذراً حتى يكون درساً له قد يحثه للتوبة. و عدم الوفاء بالنذر خطية لأنه يعتبر سرقة لحق الله، و الكتاب المقدس يقول صراحة "لا يحل لك ان تاكل في ابوابك عشر حنطتك وخمرك وزيتك ولا ابكار بقرك وغنمك ولا شيئا من نذورك التي تنذر ونوافلك ورفائع يدك" (تث 12 : 17). و كذلك أيضاً يقول "ولكن اذا امتنعت ان تنذر لا تكون عليك خطية" (تث 23 : 22) و هذا لأن "ان لا تنذر خير من ان تنذر ولا تفي" (جا 5 : 5).
الله يتعامل مع البشر حسب طبيعة كل أحد و ليس له قاعدة عامة يسير عليها. و لذلك قد ينذر إنسان ما نذراً و لا يقدر أن يفى به فلا يعاقبه الله بصرامة و عنف - و إن كان يجب أن نحترس فى موضوع النذور لأن عدم الوفاء بها هو خطية، بينما هناك آخر يظن أنه يستخف بالله و بقديسيه بالنذور فيعاقبه الله حسب قلبه بكل شدة و عنف حتى يؤدبه. و كلنا نعرف قصة الشهيد أبسخيرون القللينى و صورته التى يوضع فيها رجل معه جملين كان قد نذرهما للشهيد أبسخيرون القللينى لأن ناقته كانت عاقر. و حينما ولدت له وليدين تنصل من النذر، فظهر له الشهيد أبسخيرون القللينى و هو مسافر و حول الجملين إلى حجرين. و هما الآن محفوظين تحت كنيسته التى فى البيهو بالمنيا.
إننا لا ننذر لأننا نكافئ الله على عطيته. و الله لا ينتظر منا المكافأة، كما أن العبد لا يكافئ سيده، و لا يكافئ الابن أباه. لكن النذر هو عطية محبة فرحاً بتحقيق طلبة معينة كنا قد طلبناها من الله.
أن الله لا يتدخل فى حياة الانسان إلا حينما يسلم الانسان حياته لله، إذ كيف يفعل الله الخير للإنسان رغماً عنه؟! هذا يضع الانسان فى بند المسير و ليس المخير، و الله حينما خلقنا قصد أن نكون على صورته كمثاله من حيث الحرية و المنطق و العقل و القدرة على التمييز و الاختيار و إتخاذ القرارات.
حتى الانسان الذى يسلم حياته لله يفعل بها و فيها ما يشاء هو إنسان مخير لأنه قد إختار بنفسه و بملء إرادته و كامل حريته أن يسلم حياته لله، و فى هذه الحالة الله يرى ما هو الصالح للإنسان و يفعله، و يتقبل الانسان عطية الله بفرح و شكر إن كانت خيراً أو شراً.
نحن غير مجبرين ولا هناك وصية توصينا أن ننذر، و لكن الوصية هى أن نفى بالبنذور. فالنذر هو عطية قد خرجت من يد الانسان إلى الله و لم تعد ملكاً للإنسان بل لله - سواء كانت على إسم السيد العذراء أو الملاك ميخائيل أو مار جرجس أو مار مينا أو أبسخيرون القلينى. و النذر هو عطية زائدة فوق العشور و البكور يخصصها و يكرسها و ينذرها الانسان لله فى حالة ما إذا حقق له رغبة أو طلبة أو صلوة أو أمنية معينة. و فى حالة تحقيق الله لهذه الطلبة - إن كان فيها خير الانسان - فالنذر صار يعامل كمعاملة البكور و النذور و أصبح من حق الله فقط، و عدم الوفاء بالنذر هو سرقة لله. و لذلك فالكتاب المقدس يقول لنا "لا يحل لك ان تاكل في ابوابك عشر حنطتك وخمرك وزيتك ولا ابكار بقرك وغنمك ولا شيئا من نذورك التي تنذر ونوافلك ورفائع يدك" (تث 12 : 17). و كذلك أيضاً يقول "ولكن اذا امتنعت ان تنذر لا تكون عليك خطية" (تث 23 : 22) و هذا لأن "ان لا تنذر خير من ان تنذر ولا تفي" (جا 5 : 5). فالقاعدة العامة هى ألا ننذر، أما لو نذرت و كرست عطية ما لله فهذا قيد قد وضعه الانسان لنفسه لم يطلبه الله و لكن يجب عليه الوفاء به إذ أن الانسان قد وعد الله، و لا يصح أن نعد و لانفى مع البشر، فما بالك مع الله؟
|