محمد فتحى يكتب: شحاتة سقط حزناً على فراق مبارك وأبنائه السبت، 26 مارس 2011 - 23:46
حسن شحاتة
لم يقوَ على فراق الأحباب، كانوا له سنداً ومعيناً طوال سبعة
أعوام، قاد فيها سفينة الكرة المصرية، وكان لهم مطيعاً ووفياً، كالدمية
يحركونه يمينا ويسارا، كان أداة لإلهاء الشعب وتغييبه عن الواقع.. انتفخ
كثيرًا من التصاقة بهم حتى امتلأت معدته بالأموال، وانخدع فصار كالطاووس
يختال من الغرور والكبر.
حسن شحاتة، المدير الفنى للمنتخب المصرى، المعلم "أبو شنب"، الذى كان
يتباهى بقربه الشديد من رموز النظام الفاسد البائد، ويعلن ليل نهار أنه
يتلقى اتصالات شبه يومية من علاء وجمال مبارك، نجلى الرئيس السابق، لم
يتمالك أعصابه بعد رحيل الفاسدين الذين منحوه ربع مليون جنيه شهريًا،
وبعدما علم أن إمبراطورية الفوضى لن تستمر كثيرًا، فآثر أن يُغرق السفينة،
وقاد عمدًا المنتخب المصرى للسقوط أمام جنوب أفريقيا فى الجولة الثالثة من
التصفيات، ليخسر الفراعنة بهدف نظيف وتتبخر أحلامهم فى التأهل لكأس الأمم
الأفريقية بنسختيها المقبلتين 2012 و2013.
الآن، المعلم يحزم أمتعته للرحيل، بعد أن توقف رصيد أبطال القارة عند نقطة
واحدة فقط من ثلاث مباريات أمام منتخبات متواضعة هى: سيراليون والنيجر
وجنوب أفريقيا.
بإعلان التشكيل الأساسى للمنتخب، قفزت أسئلة كثيرة إلى الذهن وتزاحمت
باحثة عن إجابات.. لماذا بدأ حسن شحاتة المباراة بمهاجم وحيد وتحته صانع
ألعاب، ولم يعتمد على رأسى حربة صريحين وخلفهما صانع ألعاب؟ ولماذا وكّل
للثنائى السيد حمدى ومحمود عبد الرازق "شيكابالا" مهمة قيادة هجوم
الفراعنة، رغم أن كل المؤشرات كانت تؤكد على تواجد محمد أبو تريكة أو محمد
زيدان أو كليهما معًا داخل المستطيل الأخضر؟.. وهل قصد المعلم بهذه
التشكيلة الاحتفاظ بأوراقه الرابحة على مقاعد البدلاء والدفع بها فى الوقت
المناسب؟.
انطلقت المباراة، وبدأنا معها رحلة البحث عن إجابات لهذه الأسئلة..
المبادرة الهجومية كانت للمنتخب المصرى الذى تحصل على ركنية فى أول دقيقة
لم يستفد منها بالصورة المنتظرة، إلا أنها كانت إنذاراً للمنافس.
سريعاً، بدأ التهديد الفعلى على مرمى الأولاد من تسديدة بالقدم اليسرى
لشيكابالا أمسكها الحارس بسهولة.. ثم بدأ الأولاد فى التقدم صوب مرمى
الحضرى، ولكن دون خطورة، على الحارس المخضرم الذى أمسك الكرة للمرة الأولى
فى الدقيقة 19 بعد عرضية ساذجة من الجانب الأيمن لجنوب أفريقيا احتضنها
الحارس.
ظهر جليا خلال ثلث الساعة الأولى من المباراة أن هناك فجوة بين خطى الوسط
والهجوم، وأن السيد حمدى معزول عن لاعبى الوسط ومتروكا لقلبىْ دفاع
الأولاد يتناوبان مراقبته فى ظل ابتعاد شيكابالا عن المنطقة الأمامية،
وظهر أيضًا قدر من التهور فى التحامات لاعبى الوسط المصرى الذين استخصلوا
أكثر من كرة من لاعبى الأولاد.
وبدا أيضًا أن الفراعنة خاضوا المباراة بعشرة لاعبين فقط فى ظل غياب تام
لأحمد المحمدى الظهير الأيمن صاحب الغزوات والانطلاقات الماراثونية مع
فريقه الإنجليزى سندرلاند، فى حين نشط سيد معوض الظهير الأيسر بين الحين
والآخر.
تهيأت للمنتخب المصرى فرصة ثمينة لتسجيل هدف التقدم فى الدقيقة 19، حين
وصلت الكرة لشيكابالا على بعد أمتار قليلة من المرى ولكنه سدد الكرة بقوة
فى جسد مدافع الأولاد، وبين الدقيقتين 20 و30 حاول لاعبو الوسط فك شفرات
المنافس بتسديدات من خارج منطقة الجزاء.
الدقيقة 33، شهدت ثانى تهديد مصرى على مرمى الأولاد بركلة قوية من محمود فتح الله علت عارضة الأولاد بمسافة قليلة للغاية.
هدأ إيقاع اللعب، وعادت الأسئلة ذاتها تبرز مجددًا، وظهرت على استحياء
إجابة كانت بعيدة عن الأذهان تمامًا، وهى أن المعلم خاض المباراة المصرية
ليس بدافع الفوز ولكن برغبة فى التعادل، وأشار إلى ذلك التحفظ الواضح فى
تشكيل المنتخب وعدم اندفاع لاعبيه للهجوم.
وقبل نهاية الشوط الأول، ظهر "خيال" المحمدى، وحاول لاعب سندرلاند أن يؤكد
على مهاراته الخارقة فانطلق بسرعة الصاروخ محاولاً المرور من جاكسا لاعب
الأولاد إلا أن الأخير استخلص الكرة بكل سهولة وترك ظهير الفراعنة منطلقًا
دون كرة، وكاد ينكفئ على وجهه حين حاول العودة بسرعة للدفاع عن مرمى بلاده.
انتهى الشوط الأول.. وفى فترة الاستراحة، كان سيناريو وحيد هو المتوقع
خلال الشوط الثانى، فأمام ضعف الأولاد وتخوفهم الواضح من الفراعنة، كان
منتظرًا من المعلم أن يدفع بأوراقه الرابحة على مقاعد البدلاء، وفى
مقدمتها محمد زيدان ويليه محمد ناجى "جدو" ومحمد أبو تريكة، لكن العقل
المدبر للفراعنة فضّل أن يبدأ الشوط الثانى بنفس لتشكيل مؤجلاً الدفع بأى
من أوراقه الرابحة وفقًا لحاجة المباراة.
شهدت الدقائق العشر الأولى من شوط المباراة الثانى، محاولتين من المنتخب
المصرى على مرمى الأولاد أولاهما كانت من تسديدة لعبدربه مرت بجوار القائم
والثانية كانت لشيكابالا الذى لم يتوقع خطأ ساذجا ارتكبه أحد مدافعى
الأولاد لتتهيأ الكرة للاعب الزمالك أمام المرمى، ولكنه فشل فى التعامل
معها.
دفع شحاتة بجدو بدلاً من عبد ربه فى الدقيقة 60، ولكن الأخير لم يضف
جديدًا لهجوم المنتخب، بل على العكس تزامن مع تغييره انسحاب بساط المباراة
من تحت أقدام أبناء شحاتة لمصلحة جنوب أفريقيا التى كادت تزور شباك الحضرى
مرتين، ولكن الحارس المخضرم أنقذ فرصتين مؤكدتين كشفتا عن ثغرة فى قلب
الدفاع.
اتجهت المباراة صوب النهاية، وزاد القلق المصرى على احتمالات تبخر حلم
التأهل لكأس الأمم الأفريقية، ولكنه على ما يبدو كان قلقًا جماهيريًا فحسب
لم تمتد آثارة لتصيب اللاعبين داخل المستطيل الأخضر أو الجهاز الفنى على
مقاعد البدلاء.. بل ظهر جليًا أن المنتخب يلعب من أجل اقتناص نقطة التعادل
حين استدعى المُلهم أحمد المحمدى جينات الغباء من تركيبته وقام بتضييع
الوقت فى الدقيقة 85 وأبعد الكرة عن لاعب من جنوب أفريقيا حاول تنفيذ رمية
تماس.
شحاتة، دفع متأخرًا بمحمد أبو تريكة بدلاً من السيد حمدى فى الدقيقة 76،
ودفع فى الدقيقة 85 بمحمد زيدان بدلاً من شيكابالا الذى غاب عن شوط
المباراة الثانى تمامًا.. والدهشة من تأخر موعد التغييرات لم تكن بنفس حجم
الدهشة من طريقة لعب المنتخب فى الدقائق الأخيرة التى ظهر فيها المعلم
يتحرك قلقًا فى منطقته الفنية يعطى تعليمات للاعبيه بالرجوع للدفاع عن
مرماهم، وكأننا متفوقون ونحاول تأمين الفوز!.
وفى الوقت القاتل، والذى طغى فيه الحديث عن سيناريو ما بعد التعادل، وهل
سنمتلك فرصة للتأهل أم لا؟.. جاء هدف قاتل عن طريق المجتهد مفيلا مستغلاً
تباطؤ وائل جمعة لينفرد بالحضرى ويسدد كرة قوية سكنت الشباك المصرية،
لتقتل آمالا عريضة فى التأهل لكأس العالم، وتقضى على جيل حقق ألقاب كثيرة،
ولكن آن له أن يستريح ويريح، وآن له أيضًا أن يبحث عن قائد جديد لا يتشبث
بمنصبه ولا يتاجر بعواطف الملايين.