كيف تتغلب على الملل؟؟؟

لا يوجد إنسان على الأرض لم يصب يوماً بالشعور بالملل، حتى أنت وأنا. ويسبب الملل شعوراً لدى الإنسان بأنه مُحاصر، وكأنما قد عزل فى زنزانة انفرادية، أو قد كلف بعمل روتينى، فسئم مزاولته بعد حين، وأصابه شعور بأنه لم يعد هناك شىء جدير بأن يثير اهتمامه.
والملل هو السأم أو الضجر ( (Boredom، وقد ينشأ أيضاً عن شعور داخلى بقرار نفسى بأنه "لا شىء مثير" وهو ما يطلق عليه "السأم العصابى" وهو حالة من التوتر يفتقر فيها المرء إلى الهدف الغريزى، ومن ثم يسعى إلى موضوع هذا الهدف الذى ينقصه، وهو يعرف أنه يريد شيئاً ولكنه لا يعرف كنهه، ومن ثم ينتابه القلق ويعتوره الغضب. والغضب والقلق مرادفان للسأم، وهو ما يميز السأم عن اللامبالاة Apathy لأن اللامبالاة لا تعرف القلق أو الغضب.[size=16]
علاقة الملل بالخوف :
ويرى بعض علماء النفس أن الملل مرتبط غالباً بنقص الثقة والخوف من محاولة أى جديد.. ويمكن أيضاً أن يرتبط بالإحساس باليأس فى أثناء انتظارك مثلاً لحدوث شىء مثير لك (وذلك بدلاً من أن تكون أنت المحرك لحدوث ذلك الشىء) قد يكون الملل مرتبطاً بكبت مشاعرك الحقيقية، ويمكن أن تقود هذه الحالة إلى الاكتئاب والحزن.
هل الملل مشكلة فى حياتك؟
قد تكون كذلك! إذا كانت إجابتك على هذه النقاط بنعم:
• دائماً أشكو من التعب وليس ثمة سبب عضوى لذلك.
• لا أفضل الاقتراب من الآخرين.
• لا أفكر كثيراً فى مشاعرى وتصرفاتى وأهدافى.
• أكره الوحدة.
• لا يوجد ما يثيرنى فى هذه المدينة.
• دائماً أنزل من قدر نفسى بالنسبة للآخرين.
عزيزى القارئ، عزيزتى القارئة، إذا كانت تنطبق عليك الحالات السابقة، فأنت فى رأى فريق من علماء النفس وعلى رأسهم "د. سول جوردن"، مصاب بالملل.
متى يحدث الملل؟
والملل يحدث لكل فرد منا فى فترات مختلفة، أى أنه شىء طبيعى يحدث فى حياة كل إنسان.. لكنه يكون مشكلة فى حالة سيطرته على حياتك.
ويقول علماء النفس والاجتماع أن مشكلة الإنسان الرئيسية فى القرن العشرين هى فى الواقع "الفراغ" ذلك الفراغ الذى يجعلك تشعر بالملل والسأم.. وهذا لا يعنى أن الإنسان الذى يشعر بالفراغ، هو الذى بدون عمل، ولكنه هو من يفتقر إلى مطابقة ما يفعل مع ما يهوى ويحب، لذلك فهو يؤدى عمله إرضاء لروسائه، أى أنه يصنع ما يتوقعه الآخرون منه وليس ما يريده هو. ويستتبع ذلك أنه مع الوقت يبحث فى داخله عن الشىء الذى يريد هو تحقيقه.. فيعجز! وتكون نتيجة ذلك شعوره بالسأم.
ويرجع علماء النفس ذلك الشعور إلى أن القرن العشرين شهد كثيراً من الحروب، أى فترات تفتقر إلى الأمان، وتتسم بالتقلب والتغير الاقتصادى.. ينظر الإنسان إلى المستقبل فيعجز عن التخطيط لمستقبله المحفوف بخطر الحرب، فيشعر بالضيق والملل والضياع، بل قد يندفع إلى الانتحار!
الإنسان بين الدافع الداخلى والخارجى:
ومن الحقائق العلمية فى علم الاجتماع، أن "الفراغ" ظهر خلال القرن العشرين بطرق مختلفة ومتنوعة. ويذكر المؤلف وايزمان فى كتابه (The Lonely Crowd) أن الشعب الأمريكى قبل الحرب العالمية الأولى كان "الدافع الداخلى" هو الذى يوجهه، إذ كانت للإنسان فى ذلك الوقت قيم أخلاقية وحوافز قوية وطموحات حصل عليها من الخارج مع أنها نابعة منه. أما شخصية الأمريكى فى الوقت الحاضر فهى موجهة "بدافع خارجى"، إنه لا يسعى إلى أن يكون شخصية بارزة بل أن يكون شخصية منسجمة، إنه يعيش كما لو كان موجهاً برادار مثبت فى عقله يقول له دائماً ما الذى يتوقعه الآخرون منه، له القدرة على الاستجابة وليس على الاختيار، ليس له مركز فعال يحفزه.
ويقول المؤلف وايزمان إن الإنسان الذى يوجه بعامل خارجى يتصف فى مواقعه بالسلبية واللامبالاة.. حتى أن بعض الشباب كفوا عن التطلعات البعيدة.. "وإذا كانت لديهم طموحات، فإنهم يعتبرونها غلطة يجب الاعتذار عنها"؟
ما سبب فشل عامل الرادار؟!
فى أثناء الحرب العالمية الثانية أجرى عالم النفس البريطانى "ماكوورث" سلسلة أبحاث على القوات الجوية الملكية البريطانية، لمعرفة سبب فشل عامل الرادار فى ملاحظة الغواصات المعادية. وأظهرت الدراسات أن عامل الرادار يعمل دائماً فى عزلة، فهو يتابع شاشة الرادار ساعة بعد الأخرى. وأجرى "ماكوورث" اختباراً مقارناً إذ طلب من بعض الأشخاص مراقبة تحرك المؤشر حول لوحة عداد شاشة الرادار وأن يقوم كل منهم بالضغط على زر ما عندما يقفز المؤشر مرتين. وقد اتضح للعالم النفسى أن كفاية هؤلاء الأشخاص تأثرت وقلت. ونتيجة لتلك التجربة ولعدد من التجارب الأخرى تقرر تخفيض عدد ساعات عمل عامل الرادار.
التغلب على الملل:
ورغم أن الملل يصيب كل فرد منا إلا أن المتخصصين يؤكدون أن بإمكان كل إنسان أن يتغلب عليه، وذلك بتحطيم دائرته، ويقدم لنا فريق من علماء النفس هذه النصائح لتساعد على ذلك:
• افحص مشاعرك.. حاول أن تعرف متى ولماذا ينتابك هذا الشعور.. هل تكون حزيناً؟ هل تكبت بعض المشاعر المؤلمة؟
• كن منفتحاً للتجارب الجديدة.. النمو لا يعنى فقدان الانطلاق والاستمتاع بالحياة وحب الاستطلاع، هناك أشياء كثيرة يمكن أن تستمتع بها إذا احتفظت بعقل مفتوح.. هناك فرصة التحدث مع شخص آخر لم تتحدث معه من قبل، رحلة، زيارة متحف، كتابة مشاعرك، كتابة شعر أو قصة، هناك فرص وتجارب كثيرة يمكن أن تكون ممتعة وذات معنى.
• إذا كانت أيامك كئيبة، فافعل شيئاً حسناً لشخص آخر.. كأن توجه تحية لشخص ما بمعهدك الدراسى أو بعملك لم تكن تهتم به من قبل.. أو لشخص يشعر بوحدة. يمكن أيضاً أن تؤدى بعض الأعمال التطوعية فى أى نوع عمل خيرى.
• إذا كانت كل الأشياء تبدو أمامك مملة، ففكر فى عمل أقل الأنشطة التى تعرفها مللاً. إن المهم هو تحطيم دائرة الملل.
• احتفظ بيوميات لتصرفاتك وخططك وأحلامك.. تذكر أحلامك القديمة، واخلق أحلاماً جديدة، خطط لنفسك ما الذى تريد أن تعمله وأعط لنفسك الثقة الكاملة فى عمل شىء.. اليوميات ستساعدك على الاتصال بمشاعرك واحتياجاتك وإنجازاتك عندما تبدأ فى التغلب على الملل.
• حاول أن تتعلم شيئاً جديداً واحداً على الأقل فى اليوم.. قد يكون ذلك كلمة أو شيئاً تعلمته من صحيفة أو كتاب أو مجلة. إن شيئاً جديداً فى اليوم سوف يجعل مشاعرك على اتصال دائم بالعالم.
• اعمل قائمة بالأشياء التى تحبها فى الحياة.. إذا لم تتذكر حالياً أى شىء، فعد بذاكرتك إلى الماضى أى قبل شعورك بالملل. تذكر ما هى الأشياء التى كانت تسرك فى الماضى، وما هو الشىء الذى ما زال يمتعك؟
• حاول أن تعيد اكتشاف صديق خاص.. ربما كان صديقاً قد أهملته لفترة طويلة.. أقدم على المخاطرة.. قد يكون الصديق الذى أهملته وتجاهلته وتريد الآن معرفته مرة أخرى، هو أحد والديك أو كليهما أو هو زميل لك. حاول أن تتحدث لهذا الصديق القديم الجديد!
إذا نفذت هذه الوصايا فأنت بلا شك ناجح فى تحطيم تلك الدائرة الكريهة.. دائرة الملل.[/size]