إن حياة العذراء مريم هي تسبيح في حد ذاتها.. صمتها
واتضاعها، طهارتها ونقاوتها، احتمالها وخضوعها. إن العذراء نفسها تسبحة
كانت تمشي على الأرض، والآن في السماء
وعندما فتحت هذه العروس الطهور فاها المبارك
المقدس المملوء نعمة، كانت الكلمات الخارجة من فمها هي تسابيح غنية وعميقة
تدل على روحها النسكية الأصيلة، وتدل أيضًا على شبعها بكلام الله. فتسبحتها
الواردة في إنجيل معلمنا لوقا البشير تتشابه كثيرًا مع تسبحة القديسة حنة
أم صموئيل، والتي وردت في (1صم1:2-10).
عندما أدركت العذراء أنها صارت أم الله "أم
ربي" (لو43:1)، لم تتكبر ولم تنتفخ.. بل بالعكس حولت المجد والتعظيم لله
"تعظم نفسي الرب" (لو46:1)، فالرب وحده هو الجدير بالتعظيم والرفعة. ونحن
في كل مرة نرفع تمجيدًا أو مديحًا لأمنا العذراء الطاهرة.. نراها أيضًا
تحول هذا المجد إلى الله ابنها ومخلصها وإلهها قائلة: "تعظم نفسي الرب،
وتبتهج روحي بالله مخلصي" (لو46:1-47). لم تفتخر روحها بذاتها، ووضعها
الجديد كملكة وأم للملك وأم لله، ولكنها ابتهجت بالله مخلصها.
لقد كانت العذراء مشغولة بالله وليس بنفسها،
مثلما قالت حنة: "فرح قلبي بالرب. ارتفع قرني بالرب" (1صم1:2). هذه هي
النفوس القديسة البارة المنشغلة بالله، وليس بذواتها البشرية.. ليتنا نتعلم
هذا الدرس.
كذلك لم تنس العذراء مريم أنها أمة الرب..
"هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك" (لو38:1)، "لأنه نظر إلى اتضاع (مذلة)
أمته" (لو48:1).
ونحن يجب أن نتعلم أيضًا من هذه الأم القديسة
الطاهرة ألا ترتفع قلوبنا، بل ندرك دائمًا أننا "عبيدٌ بطالون"
(لو10:17).. مهما عملنا من البر، ومهما وصلنا إلى مراتب روحية، أو كنسية،
أو في العالم.. فالمسيح دائمًا ممجد في عبيده المتضعين فقط.
بروح النبوة تنبأت القديسة العذراء مريم عما
سيحدث في الكنائس في كل العالم، وفي كل الأجيال من جهة تطويبها وتمجيدها
ومديحها: "فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني" (لو48:1).
نحن بالحق نطوبك يا أم النور الحقيقي، لأنك
صرت أهلاً لأن تحملي بين يديك الجالس على مركبة الشاروبيم، ومن تسجد له
الملائكة وكل الخليقة.. فأنت بالحقيقة تستحقي كل إكرام وتمجيد وتعظيم يا أم
الله بالحقيقة.
وفي ملء الاتضاع العطر تفهم العذراء القديسة
أن ما نالته من نعمة هو من إحسانات القدير ورحمته. نحن نقول عنها إنها
تستحق كل كرامة، وهي تقول عن نفسها إن ما نالته من كرامة كان إحسانًا ورحمة
من القدير "لأن القدير صنع بي عظائم، واسمه قدوسٌ، ورحمته إلى جيل الأجيال
للذين يتقونه" (لو49:1-50).
هذه هي الروح المتضعة الحقيقية التي يقبلها
الله، ويفرح بها.. "ليمدحك الغريب لا فمك" (أم2:27). وانطلقت العذراء
القديسة مريم تسبح الله على صنيعه المجيد مع شعبه:
+ "صنع قوةً بذراعه. شتت المستكبرين بفكر
قلوبهم. أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين. أشبع الجياع خيراتٍ وصرف
الأغنياء فارغين. عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمةً، كما كلم آباءنا. لإبراهيم
ونسله إلى الأبد" (لو51:1-55).
+ إنه هو الذي صنع القوة بتجسده، وغلبته
للشيطان والخطية والموت، وهو الذي "يميت ويحيي. يهبط إلى الهاوية ويصعد.
الرب يفقر ويغني. يضع ويرفع. يقيم المسكين من التراب. يرفع الفقير من
المزبلة للجلوس مع الشرفاء ويملكهم كرسي المجد" (1صم6:2-
.
+ حقًا بالرب قد "اتسع فمي على أعدائي، لأني
قد ابتهجت بخلاصك. ليس قدوسٌ مثل الرب، لأنه ليس غيرك، وليس صخرةٌ مثل
إلهنا" (1صم1:2-2).
+ "قسي الجبابرة انحطمت، والضعفاء تمنطقوا
بالبأس. الشباعى آجروا أنفسهم بالخبز، والجياع كفوا. حتى أن العاقر ولدت
سبعةً، وكثيرة البنين ذبلت" (1صم4:2-5).
+ إن إلهنا هو إله المستحيلات "لأنه ليس بالقوة يغلب إنسانٌ" (1صم9:2).
+ وإله تحقيق الوعد "كما كلم آباءنا. لإبراهيم ونسله إلى الأبد" (لو55:1)، فهو لا يخلف وعده لأنه "أمينٌ وعادلٌ" (1يو9:1).
ليتنا نتعلم روح التسبيح من أمنا العذراء، ونتكلم في حضرة الرب مثلها.. بكلام متضع روحاني مليء بالفكر والعقيدة والإيمان الراسخ.