منذ أيام قدماء المصريين والصليب علامة حياة، وقد
اتخذوا "مفتاح أونخ" الذى يشبه الصليب فى شكله، علامة الحياة بعد الموت،
حيث كلمة "أونخ" معناها (حياة).
نعم... فالرب حين مات عنا على عود الصليب، مات الناسوت فيه، وظل اللاهوت متحداً بعناصر الناسوت الثلاثة:
الجسد الإنسانى والنفس والروح الإنسانية. إذ (لاهوته لم
يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين) والسبب بسيط، فاللاهوت خالد لا
يموت، وغير محدود، يمكنه أن يظل متحداً بالجسد المسجى فى القبر، وبالنفس
الإنسانية والروح الإنسانية، اللتين ذهبتا إلى الفردوس، بعد أن أطلقت
الأنفس والأرواح التى كانت فى قبضة إبليس فى الجحيم، مكان إنتظار الأشرار.
نعم...
فقبل الصليب كانت نفوس الأبرار مع نفوس الأشرار فى مكان واحد، وإن كان
الفرق الجوهرى أن النفس البارة تنتظر المسيح المخلص، الذى سينقلها إلى
الفردوس، أما النفس الشريرة فهى تنتظر يوم العقاب النهائى، والحكم الأبدى،
حين تنتقل إلى جهنم.
إذن فالثمرة الأولى من ثمار الصليب :1- الفردوس المفتوح :
حيث
اختفى الكاروبيم الحارس للفردوس، واللهيب المتقلب والسيف، ودخل الرب
ظافراً يحمل المفديين، والراقدين على الرجاء، إلى فردوس النعيم، حيث ينعمون
فى شركة مع الله إلى يوم القيامة المجيدة، حين ينتقلون إلى وضع المجد
الأبدى، والفرح الدائم، فى ملكوت السموات، وأورشليم السمائية. وبعد أن كان
يعقوب يقول لأولاده فى العهد القديم: "أنى أنزل إلى ابنى نائحاً إلى
الهاوية" (تك 35:37)، صار اللص التائب مستحقاً - من خلال التوبة والإيمان
بدم المسيح - أن يسمع من فم الرب: "اليوم، تكون معى فى الفردوس" (لو
43:23).
أما الثمرة الثانية للصليب فهى.. 2- الشيطان المنهار :
لقد
حاول الشيطان أن يتعرف على شخص الفادى، حتى إذا ما تأكد أنه المسيح
المنتظر، والمخلص العتيد، يمنع موته، وبهذا لا يتم الفداء.. "لو عرفوا لما
صلبوا رب المجد" (1كو 8:2).
لكن الرب المحب لفدائنا وخلاصنا، أخفى ألوهيته عن الشيطان، إذ قبل بالتدبير شكل الضعف:
فنام : "وإذا اضطراب عظيم قد حدث فى البحر حتى غطت الأمواج السفينة وكان هو نائماً" (مت 24:
.
وجاع : "فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليله جاع أخيراً" (مت 12:4).
وبكى : لموت ليعازر "بكى يسوع" (يو 35:11).
وتألم : "وكانوا يضربونه على رأسه بقصبة ويبصقون عليه" (مر 19:15)، "شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن اتألم" (لو 15:22).
وصلى : "حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها جثسيمانى فقال للتلاميذ اجلسوا ههنا حتى امضى وأصلى هناك"
(مت 36:26).
وأنّ
: "ورفع نظره نحو السماء وأنّ وقال له افثَّا. أى انفتح" (مر 34:7). وبهذا
أبعد الشيطان عن خطته التى يتمنى تنفيذها،وجعله يتعجل صلب الرب الذى كان
فيه فداؤنا. وعندما ذهبت نفس الرب الإنسانية إلى الجحيم ككل الأنفس، حتى
البارة فى ذلك الوقت، تصور الشيطان أنه تمكن من المسيح، وأنتهى منه إلى
الأبد، وحاول أن يقبض على هذه النفس كغيرها، ولكن هيهات!! فلقد كان اللاهوت
متحداً بها كما كان متحداً بالجسد المسجى فى القبر، وهكذا صرع الشيطان،
وانفكت قبضته عن بنى آدم الراقدين على رجاء وأخذهم الرب ظافراً منتصراً،
وأدخلهم إلى الفردوس السعيد. لهذا ترنم الكنيسة قائلة: "يا كل الصفوف
السمائية، رتلوا لإلهنا بنغمات التسبيح... قد قام الرب من بين الأموات..
وسبى الجحيم سبياً" (نشيد عيد القيامة). وهكذا انتهت قبضة الشيطان، إذ قد
رآه الرب "ساقطاً" مثل البرق من السماء (لو 18:10)، "وبعلامة الصليب يبطل
كل سحر" (القديس أثناسيوس - تجسد الكلمة 2:31).
أما الثمرة الثالثة للصليب فهى.. 3- الحياة الأبدية :
نعم...
فالموت قد انتهى بموت الرب الفدائى عنا، لم يعد للموت سلطان علينا... "لا
يكون موت لعبيدك بل هو انتقال" (أوشية الراقدين)... الحكم الذى كان علينا،
رفعه الرب عنا بموته النيابى... "لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها" (أش
4:53)، "هو أخذ اسقامنا وحمل أمراضنا" (مت 17:
، والفساد الذى أصاب
طبيعتنا، أعطانا الرب الطريق لإلغائه، وذلك من خلال المعمودية (حيث نموت
ونقوم مع الرب ونتجدد بالروح القدس) "أنتم الذين قد اعتمدتم للمسيح قد
لبستم المسيح" (غل 27:3). وبالميرون (حيث يسكن فينا روح الله، وندشن كهياكل
مقدسة له) "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذى فيكم الذى
لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم.. فمجدوا الله فى أجسادكم" (1كو 19:6).
والتناول (حيث نثبت فيه وهو فينا) "من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فىّ وأنا
فيه" (يو 56:6)... "هذه هى الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى
وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته" (يو 3:17).
وهنا قول جميل للقديس
أثناسيوس الرسولى: الموت... إذ قهره المخلص، وشهر به على الصليب، وأوثق
يديه ورجليه، فإن كل الذين هم فى المسيح يدوسونه إذ يمرون به، ويهزأون به
شاهدين للمسيح، ويسخرون منه مرددين ما قيل عنه فى القديم: "أين شوكتك يا
موت، أين غلبتك يا هاوية" (1كو 55:15)، (هو 14:13)، (فصل 27 فقرة 4).
من
ذا الذى يرى أسداً يعبث به الأطفال، ولا يدرك أنه إما أن يكون قد مات، أو
فقد كل قوته؟!.. هكذا أيضاً إن كان الموت يعبث به المؤمنون بالمسيح
ويحتقرونه (مرحبين بالاستشهاد)، وجب أن لا يشك أحد فى أن المسيح قد أبطل
الموت وأباده وأوقف فساده (فصل 29 فقرة 6.5).
هذه بعض وأهم ثمار الصليب
المجيد، فردوس مفتوح وشيطان منهار، وأبدية سعيدة... فهل هذا ما نحياه الآن
كلما رشمنا الصليب، أو حضرنا صلوات الآلام، أو صمنا الأربعاء أو الجمعة...
ليتنا نفعل!!
الرب معكم،